التاريخ الإسلامي
دون تشويه أو تزوير
التاريخ الإسلامي يمتد منذ بداية الدعوة الإسلامية بعد نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تأسيس الدولة الإسلامية بالمدينة المنورة وحكم الخلفاء الراشدين، مرورًا بالدولة الأموية فالدولة العباسية بما تضمنته من إمارات ودول مثل السلاجقة والغزنوية في وسط آسيا والعراق وفي المغرب الأدارسة والمرابطين ثم الموحدين وأخيرًا في مصر الفاطميين والأيوبيين والمماليك ثم سيطرة الدولة العثمانية التي تعتبر آخر خلافة إسلامية على امتداد رقعة جغرافية واسعة، وهذه البوابة تعنى بتوثيق التاريخ من مصادره الصحيحة، بمنهجية علمية، وعرضه في صورة معاصرة دون تشويه أو تزوير، وتحليل أحداثه وربطها بالواقع، واستخراج السنن التي تسهم في بناء المستقبل.
ملخص المقال
بنو حسنويه أمراء غرب إيران، مقال يتناول تاريخ الحسنويين إحدى العشائر الكردية التي استقلت عن سلطان البويهيين، فمن هم بنو حسنويه؟
بنو حسنويه أسرة كردية متنفذة استطاعت أن تقيم لنفسها في النصف الثاني من القرن (الرابع للهجرة= العاشر الميلادي) إمارة مستقلة ذاتيًّا امتدَّ سلطانها إلى مناطق شاسعة من غربي إيران والجزيرة العليا.
أبو الفوارس حسنويه بن حسين البرزيكاني
مؤسِّس الأسرة أبو الفوارس حسنويه بن حسين البرزيكاني زعيم فخذ وقائد عسكر من قبيلة بَرزِيكان الكردية يعرفون بالبرزينية، وكانت القبيلة تخضع لحكم البويهيين، وتتحكم قبل ذلك بعقود من الزمن بعدد من القلاع والحمايات في غربي إيران و أطراف دينور وهمدان ونهوند والصامغان إلى حد شهرزور، ويتزعمها خالا حسنويه ونداد وغانم ابنا أحمد وهما من فخذ آخر يعرف بالعيشانية.
وقد مات ونداد سنة (349هـ=960م) وخلفه في الزعامة ابنه عبد الوهاب الذي وقع في أسر بعض الثوار، فتسلمه حسنويه منهم وضم أملاكه وقلاعه إليه. ومات غانم بعد أخيه بعام، وقام ابنه ديسم مقامه في قلعة قسنان، إلى أن أزاله أبو الفتح ابن العميد واستصفى قلاعه. وبذلك انتقلت زعامة القبيلة كلها إلى حسنويه بن حسين الذي استطاع بحسن تدبيره تارة وبالقوَّة تارةً أخرى أن يُوسِّع حدود أملاكه في بلاد كردستان ومنطقة قرميسين من إقليم الجبل وشيد لنفسه هناك قلعة سرماج.
وحظي بمباركة ركن الدولة حسن بن بويه ورضاه، فأطلق يده في بسط سيطرته على أكراد المنطقة لما قدمه من مساعدة له في صراعه مع السامانيين وحلفائهم، وشجع ذلك حسنويه على التمادي والوقوف في وجه حاكم همدان سهلان بن مسافر وامتناعه عن تأدية ما عليه من التزامات مالية إليه. ولما أراد ابن العميد وزير ركن الدولة إرسال قوة لتأديبه خشية تفاقم أمره مات قبل أن يتحرك الجيش، ومال خليفته أبو الفتح بن العميد إلى مفاوضة حسنويه بدلًا من محاربته، ومنحه استقلالًا ماليًا في مقابل تأديته خمسين ألف دينار وعدد كبير من الخيول والماشية سنويًا. وتوصل حسنويه بدوره إلى مصالحة سهلان بن مسافر ومصاهرته، فصفت أموره وازداد نفوذه.
ولما احتدم الصراع بين عز الدولة بختيار بن معز الدولة أحمد بن بويه وابن عمه عضد الدولة خسرو بن ركن الدولة، انحاز حسنويه إلى بختيار ووعده بالعون وأن يسير إليه بنفسه، ولكنه خشي عاقبة الأمر مع عضد الدولة فاكتفى بإرسال ابنيه عبد الرزاق وبدر إلى بختيار في نحو ألف فارس، واعتذر عن عدم حضوره لارتباطه مع فخر الدولة علي بن ركن الدولة صاحب الري وهمدان في أمور الجبل، وفي سنة (373هـ=984م) أضاف أصفهان إلى منطقة نفوذه. ولما قرر بختيار التوجه إلى بغداد عاد ابنا حسنويه إلى أبيهما.
توفي حسنويه بن حسين الكردي في سنة (369هـ=979م) في سرماج، وكان مجدًّا، حسن السياسة والسيرة، ضابطًا لأمره، منع أصحابه من التلصص، وبنى بالدينور جامعًا بالحجارة المهندمة، وكان كثير الصدقة بالحرمين مهتما بأمر الحجيج في الطريق إلى مكة.
ترك أموالًا كثيرة، وسبعة أولاد ذكور هم: عبد الرزاق وأبو العلاء وأبو النجم بدر وعاصم وأبو عدنان وبختيار وعبد الملك، وقد افترق أولاده من بعده فبعضهم انحاز إلى فخر الدولة وبعضهم إلى أخيه عضد الدولة.
أبو النجم بدر بن حسنويه
وكان بختيار بن حسنويه بقلعة سرماج ومعه الأموال والذخائر، فكاتب عضد الدولة ورغب في طاعته، ثم تلون عنه وتغير، فسير عضد الدولة إليه جيشًا فحصره وأخذ قلعته وكذلك قلاع إخوته جميعها.
واصطنع من بينهم أبا النجم بدر بن حسنويه وقواه بالرجال فضبط تلك النواحي وكف عادية من بها من الأكراد، واستقام أمر بدر حاكمًا على بلاده باسم مؤيد الدولة بن ركن الدولة البويهي. ولكن إخوة بدر شقوا عصا الطاعة عليه وعلى البويهيين، واستمال عاصم بن حسنويه أكراد الجبل فسير إليه عضد الدولة عسكرًا أوقعوا به وبمن معه وأسروه، وأدخل عاصم همدان على جمل حيث سجن أو قتل، وتُخُلِّص من بقيَّة أولاد حسنويه إلاَّ بدرًا فإنه أُقِرَّ على عمله.
وفي سنة (373هـ=984هـ) عصا محمد بن غانم البرزيكاني بناحية كوردر من أعمال قم على فخر الدولة، فأرسل فخر الدولة إلى أبي النجم بدر بن حسنويه يأمره بإصلاح الحال، ففعل وراسل محمدًا فاصطلح معه، وبقي إلى سنة (375هـ=986م) إلى أن سار إلى محمد جيش لفخر الدولة وأخذه أسيرًا ومات في الأسر.
بعد وفاة عضد الدولة سنة 372هـ ومؤيد الدولة سنة 373هـ ونشوب صراع بين ورثة آل بويه على السلطة، وتولي شرف الدولة بن عضد الدولة السلطة ببغداد، أرسل هذا الأخير سنة (377هـ=987م) جيشًا بقيادة قراتكين الجهشياري لقتال بدر بن حسنويه لمساندته عمه فخر الدولة، واجتمع العسكران على واد بقرميسين فانهزم بدر أول الأمر، ثم كر من جديد وقتل من جيش قراتكين مقتلة عظيمة ونجا قراتكين بنفسه، وقويت شوكة بدر بعد ذلك، فاستولى على أعمال الجبل وما والاها.
وغدا بعد موت فخر الدولة سنة (378هـ=988م) وصيًا على وريثه مجد الدولة رستم وساعده على رد هجمات محمود الغزنوي على ممتلكاته، كما تقرب من بهاء الدولة الحاكم البويهي الجديد في بغداد، الذي أوصى به لدى الخليفة القادر بالله، فمنحه سنة (388هـ=998م) لقب ناصر الدين والدولة، وصار في جملة ممتلكاته سابورخواست ودينور ونهوند وأسدأباد وبارجرد ومناطق من الأهواز إضافة إلى قرميسين وحلوان وشهرزور، وطار صيته لما كان يهتم به من فرض الأمن وإقامة العدل فيما تحت يده وتوفير راحة الحجاج وشق الطرق وتشجيع التجارة، ويكثر الإنفاق على العرب البدو بطريق مكة ليكفوا عن أذى الحجاج. وقد عثر على قطع نقود من عصره تدل على أنه سك النقود باسمه.
ومع كل ذلك فقد حملت إليه سنوات حكمه الأخيرة متاعب جمة منها الصراع الذي ظل قائما بين أمراء آل بويه ومن والاهم من الحكام، فكلما انحاز بدر إلى فئة منهم أثار عليه غضب الفئات الأخرى، إضافة إلى العداء المستحكم بين البرزينية والقبائل الكردية الأخرى وخاصة الشاذنجانية إلى الغرب من قرميسين وحلوان التي كان العنازيون أبرز أسرها، وقد طردهم بدر من ديارهم ولجأ زعيمهم أبو الفتح بن عناز إلى بني عقيل في الجزيرة العليا في سنة (397هـ=1007م). كذلك واجه بدر بن حسنويه تمرد ابنه هلال عليه سنة (400هـ=1010م) وتمكنه منه، ولكن بدرًا استرد ملكه بمعونة جيش بعث به بهاء الدولة.
وفي سنة (405هـ=1014م) خرج بدر لقتال جماعة من الأكراد المتمردين فاغتاله بعضهم وهو قائم على صخرة.
انتهاء دولة الحسنويين (بني حسنويه)
وكان طاهر بن هلال بن بدر هاربا من جده بنواحي شهرزور فبادر إلى المطالبة بملكه ودارت الحرب بينه وبين شمس الدولة أبي طاهر بن فخر الدولة صاحب همدان فأُسر طاهر وسجن وأخذ ماله. وكان أبوه هلال سجينًا لدى سلطان الدولة أبي شجاع بن بهاء الدولة فأطلقه وسير معه العساكر ليستعيد ما أخذه شمس الدولة، ولما التقى العسكران انهزم أصحاب هلال وأسر هو وقتل، وبعد عام قتل ابنه على يد أبي الشوك بن أبي الفتح بن عناز، وانتهت بذلك دولة بني حسنويه ولم يبق لورثتهم سوى قلعتهم سرماج التي سقطت في يد إبراهيم إينال السلجوقي بعد موت آخرهم سنة (439هـ=1047م).
________________
المصدر: الموسوعة العربية العالمية، المجلد الثامن، ص316.
مراجع للاستزاده:
- رحلات أبي دلف في إيران (سرماج)، (طهران 1955م).
- ابن الأثير، الكامل في التاريخ (دار الكتاب العربي، بيروت 1967م).
التعليقات
إرسال تعليقك